
قراءة في أحاديث استقلال كردستان

رجائي فايد
27 مايو 2017ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة الأحاديث عن استقلال كردستان العراق بعد أن تنظم استفتاءً نتائجه معروفة سلفاً، وبالتالى تنفصل عن الدولة العراقية لتترك ما تبقى من تلك الدولة في مهب الريح، ولكن الجديد في تلك الأحاديث والذى شكل مفاجأة بنقلها من الدائرة الكردية الداخلية إلى الدائرة الدولية، وهي أهم دائرة في هذا الصدد، ونقصد بذلك ماصرح به فينسنت ستيوارت، مدير الاستخبارات العسكرية الأمريكية، في جلسة استماع بلجنة مجلس الشيوخ الخاصة بشؤون القوات المسلحة، حيث قال (إن مسألة استقلال كردستان العراق على الأرجح مفروغ منها)، وأضاف (أن السؤال على الأرجح لا يدور عن حدوثه من عدمه إنما عن موعده)، ثم ذكر ما يعتبر معلومة مستقبلية (فسيكون استفتاء هاما ذلك الذي سيجرى في أكتوبر من العام الحالي).
وكانت تلك هي المرة الأولى على كل المستويات التي يتطرق فيها الحديث عن موعد محدد للاستفتاء، ومن الجانب الأمريكى، مما يدعو للتساؤل حول مصدر المعلومة وقائلها مدير الاستخبارات العسكرية الأمريكية، وهل لهذا الموعد المحدد علاقة بزيارة مسرور البارزانى إلى الولايات المتحدة، وقد سئل في هذه الجلسة عن مسألة هامة تتعلق بالأوضاع ما بعد التخلص من داعش وعما إذا كانت حكومة بغداد قادرة على الاحتفاظ بوحدة البلاد حينها فأجاب (أنه بعد تحرير الموصل فـالتحدي الأكبر للحكومة العراقية سيتركز في حل الخلافات بين الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، والسنة في الغرب والأكراد في الشمال) ثم تطرق إلى كركوك ونفطها، فقال (إن حل قضية حقول نفط كركوك، ولمن تعود عائدات حقول النفط، تحديات سياسية كبيرة للحكومة العراقية)، ثم استكمل حديثه بذكر المخاطر التي قد تحدث إذا لم يتم إيجاد حل سياسى لذلك (إذا لم يتم إيجاد حل سياسي، فسيؤدي ذلك بنهاية المطاف إلى نشوب صراع بين جميع الأطراف، قد يؤدى إلى حرب أهلية في العراق).
فيما بعد صرح ملا بختيار رئيس الهيئة العاملة بالاتحاد الوطنى الكردستانى(جلال الطلبانى) يوم الأربعاء الماضى (أن استفتاء استقلال إقليم كردستان من المقرر إجراؤه خلال شهر آب "أغسطس" أو أيلول"سبتمبر" من العام الحالي)، ويبدو أن هناك قناعة كردية ترسخت بأن تصريحات ستيوارت لم تصدر من فراغ وإنما هي عنوان لتحولات هامة في السياسة الأمريكية، ولذلك جاءت تصريحات رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزانى، في مؤتمر عقدته جامعة كردستان بأربيل، معددا إيجابيات الاستقلال، وكأنه أمر واقع لا مناص منه، (لدينا ثقة كاملة بأن بناء علاقة جيرة جيدة مع بغداد أفضل بكثير من علاقة هي أشبه بعلاقة المستأجر بصاحب الدار)، مبينًا أن (الطرفين غير راضين عن هذه العلاقة)، ويقصد بالطرفين حكومتى بغداد وأربيل، وأضاف (بإمكان استقلال كردستان المساهمة في معالجة بعض المشاكل الإقليمية والدولية)، وعلى المستوى العملى تم الإعلان عن تشكيل لجنة من كافة القوى الكردية لإدارة عملية الاستفتاء، وكما صرح بذلك مستشار رئاسة الإقليم، (إن لجنة تشكلت بشأن مسألة الاستفتاء تضم جميع الاطراف)، وأضاف أن (جميع الترجيحات توضح ان الاستفتاء سيتم هذا العام وخلال شهر آب المقبل).
من العرض السابق يتأكد لنا أن الأمور تسير في اتجاه استقلال إقليم كردستان عن العراق، وأن المسألة مسألة وقت، وتأتى هذه التطورات المتلاحقة في ظل انكفاء عربى كامل وفقدان لأى قدرة على المقاومة في أى أمر، وهذا مجرد توصيف لحال كنا نتمنى ألا يكون كذلك، وفي ظل هذا الوضع المأساوى، كيف يجب أن يكون تعاملنا إزاءه، هل بالانسياق خلف الكلمات العنترية والدينكشوتية، شجب وإدانة ومناصبة تلك الدولة التي لم يكتب لها الميلاد بعد العداء، والحديث عن إسرائيل جديدة في المنطقة، رغم (وياللعجب) لم يعد هناك حديث عن العداء العربي الإسرائيلى على المستويين الرسمى والشعبى، والذى توارى خلف الحديث عن العدو الجديد وهو الإرهاب، إننا نتحدث عن ضرورة الحفاظ على وحدة العراق وسوريا، ولم نلحق هذا الحديث بكيفية تحقيق ذلك، فإمكانياتنا المتاحة لا يمكن لها ذلك، هل من صالحنا مناصبة تلك الدولة العداء حتى قبل أن تر النور (وربما لا تراه)، إذا ما العمل؟
إن رفضنا ومن الآن للخطوات المتسارعة والمؤكد حدوثها بشأن الاستفتاء، لن يقدم أو يؤخر شيئاً، باستثناء وضع أسس العداء مع إقليم كردستان العراق، أو دولته المستقلة المفترضة، إن الكياسة تفترض تناولاً عقلانياً لتلك المسألة، يعتمد على التأكيد على أننا لا نناصب الأكراد العداء، لا فى الماضى ولا في الحاضر ولا في المستقبل، وأن مسألة حق تقرير المصير أحد حقوق الشعوب، والتى وردت في إعلانات عديدة للأمم المتحدة، وأن من صالح الطرفين (العرب والأكراد)، ألا يكون بينهما أى خصومة، وأن يكون كل منهما إضافة إلى الطرف الثانى، سواء كون الأكراد دولتهم أو ظلوا على حالهم، وربما يرى البعض أن وجهة النظر تلك منطلقة من حالة الوهن التي نمر بها، وربما في ذلك بعض الصحة، ولكننا هنا نضيف بعداً آخر، وهو ذكر ما جرى في بريطانيا عندما قررت بشجاعة ودون ضعف تنظيم اسفتاء في اسكتلنداً للانفصال عنها، وكانت نتيجة الاستفتاء تمسك الاسكتلنديين ببريطانيا وبأغلبية بسيطة، ليكن ذلك درسا نتمنى أن نعيه، وهو الإجابة على هذا السؤال، لماذا كانت النتيجة في استفتاء اسكتلندا رفض الانفصال، ولماذا ومن الآن نعلم مسبقا بنتيجة الاستفتاء في كردستان العراق؟